ماء السبيل في دمشق .. حكاية مدينة أسستها حضارة الماء ...! (( مسائكم ياسمين دمشقي ))
يعتبر سبيل الماء احدى العلامات الخاصة بمدينة دمشق عن غيرها من مدن العالم حيث يشكل ماء السبيل الدمشقي "المنهل" أحد الروابط الحضارية التي نتجت في دمشق الشام بسبب طبيعة المدينة وخصال سكانها ففي الوقت الذي تفتقر فيه معظم المدن الكبرى إلى هذه الظاهرة كانت ولا تزال سبلان الماء تتوزع في شوارع العاصمة السورية لتتدفق من عيونها أعذب مياه على وجه الأرض.
وما إن يسير المرء في شوارع دمشق القديمة أو يمر بحارة من حاراتها إلا ويجد بناء ماء السبيل فيها إذ يتميز هذا الملح الحضاري بطابع عمراني لافت للنظر امتزجت في بنائه البساطة والإتقان مع وجود الزخارف التي تحيط به فهو لا يدل بالطبع إلا على سعي نحو الخير ومشاركة الناس العطاء والتمتع بجمال المنظر والإحسان.
وكانت دمشق حتى عام 1908 تعتبر ماء السبيل من أكثر مصادر الماء أهمية في الشام التي ينهل منها المواطنون كمياه عذبة تصدر عن نبع الفيجة مباشرة فانتشارها في الأحياء السكنية والشوارع العامة جعلها تغطي حاجة جميع السكان إلى مياه الشرب.
وما زالت دمشق تحتفظ حتى الآن بحوالي مئتي سبيل قائم بالدور الرائد الذي نهضت به مدينة دمشق على الدوام في مجال توزيع مياه الشرب على سكانها وزائريها منذ أن كان الماء ثروة عزيزة المنال إلى أن أصبح في يومنا هذا حقا لكل مواطن.
ويقول محمد إبراهيم الحمادة أستاذ مادة التاريخ إن دمشق تتميز بوجود بناء ماء السبيل الذي ينتشر في جميع أرجاء المدينة حتى بلغ عددها 800 سبيل ماء في القرن التاسع عشر ويعود هذا إلى وفرة المياه العذبة في المدينة أما سبب اختلاف الطراز الفني العمراني للسبيل فيرجع إلى اختلاف العصور التي أنشئت فيها السبل فمن المعروف أن كل عصر يتميز بطابع عمراني وفني معين انعكس هذا على بناء ماء السبيل.
وأهم هذه العصور العصر الأيوبي حيث لا تزال خمسة سبل موجودة إلى الآن من ذلك العصر كسبيل "بحرة كنعان" الواقع في منطقة باب الجابية وسبيل "الموصلي" الواقع في حي الميدان وسبيل جامع عسقلان.
ويوضح حمادة أن سبل الماء العائدة إلى العصر المملوكي ترجع إليه سبل كثيرة منها سبيل "البريد" وسبيل "حمام فتحي" الواقع في حي الميدان أيضا وسبيل "الخزنة" أما في العصر العثماني فقد انتشر بناء السبل بتشجيع الدولة العثمانية فكان سبيل "الحجاز" الواقع في شارع النصر مقابل محطة الحجاز وسبيل "المولوية" في نفس الشارع أيضا وسبيل "جامع الورد" في منطقة سوق ساروجة.
بدوره قال عمر خادم السروحي مختار حي الشاغور الجواني ان دمشق كانت مشهورة بوفرة مياهها العذبة قديما فمن المعروف أن لنهر بردى سبعة أفرع جميعها تمر في دمشق أو تحاذيها منها قنوات وبانياس وتورا والديراني وفي العصر الروماني تم إنشاء قساطل فخارية وأنابيب مياه لسحب المياه من نهر القنوات إلى دمشق وتوزيعها على جميع أرجاء المدينة ومنها إلى البيوت حيث ما زالت آثار القنوات موجودة إلى الآن في منطقة حي القنوات المعروف في دمشق.
وعن تاريخ ماء السبيل في دمشق والمراحل التي مرت بها يضيف السروحي.. كان ماء السبيل في دمشق يوزع عن طريق السقا الذي يضع الماء في ضرف ثم يحمله على ظهره ليتجول في شوارع المدينة القديمة لسقي المارة وهذه الطريقة قديمة جداً كانت تستخدم عندما كان للآبار دور أساسي في تغذية مدينة دمشق لكن عندما تم توزيع القساطل وبسبب غزارتها تم إنشاء بناء ماء السبيل كما هو حالياً بل كان في بعض الحالات أكبر مما عليه الآن كون الخيول والجمال الموجودة في المدينة كانت تشرب منها أيضا إضافة الى أن حوض السبيل كان يستفاد منه في تنظيف الشوارع والساحات المجاورة له.
يوضح المختار عن أماكن توزعها بشكل عام ومن الذي ساهم في انتشارها.. تقريباً في كل شارع من شوارع دمشق هناك بناء لماء السبيل كما تتوزع عند دور العبادة وفي الساحات العامة وكان وجهاء الحي أيضا ينشئون ماء السبيل بالقرب من منازلهم كصدقة جارية عن أمواتهم وقد لاقت انتشارا واسعا في العصر العثماني بتشجيع من سلاطين الدولة العثمانية
ويعتبر سبيل "الصميدية" الواقع مقابل مقبرة باب الصغير والمشيد عام 1526م من أشهر سبل الماء في دمشق القديمة إذ كان يتغذى من ماء جامع الصميدية لكنه حاليا ومع تزايد الطلب على المياه بسبب التزايد السكاني قام أهالي حي الشاغور بإيقافه مؤمنين له حماية من شبك حديدي للحفاظ عليه.
ويزين سبل الماء الدمشقية الزخارف المنقوشة على رخام السبل إضافة الى نقش لآية قرآنية كريمة فيها عبارة ماء أو شراب كمثل.. "وسقاهم ربهم شرابا طهوراً" أو "وجعلنا من الماء كل شيء حي" و"كلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين" أو أبيات من الشعر حيث هناك ماء سبيل باب شرقي كتبت عليه أبيات للشاعر نزار قباني.. "والماء يبدأ من دمشق فحيثما أسندت رأسك جدول ينساب".
وقد انتشرت السبل في أحياء دمشق القديمة ومشيداتها الهامة فكانت غاية في الإتقان والأناقة المعمارية تزينها الزخارف والنقوش والكتابات حيث استعمل في عمارتها الحجر بأنواعه والرخام والقاشاني والفسيفساء والأبلق وعمدت بالأقواس والقناطر الملساء أو المزخرفة بالعقود المفصصة أو بالمقرنصات والدلايات والحنايا والمحاريب التي تعلوها الطاسات والصدفات وتمت حماية هذه التحف العمرانية المائية بالحديد المزخرف والملون.
ومن أهم سبلان الماء في دمشق سبيل زقاق الموصلي وسبيل جامع الجرن الأسود وسبيل حمام فتحي وسبيل البيمارستان النوري وسبيل زاوية أبو الشامات وسبيل تربة الشيخ حسن.
يذكر أن السبيل في اللغة العربية جاءت من سبل بمعنى أرخى وأسبل الستار أرخاه والسبل هو المطر النازل من السحاب قبل أن يصل إلى الأرض.
المصدر: منتدى المسافر العربى - من قسم: المسافر العربى سوريا , لبنان , الاردن , السودان , الجزائر , ليبيا , اليمن , تونس
http://ift.tt/NA3OWE
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
منتدى المسافر العربى
http://www.almosaafer.com/vb